”تتشارك جميع الجهات الفاعلة في المجال الإنساني في المسؤولية عن ضمان أنَّ الأنشطة في كل مجموعة عمل وغيرها من مجالات الاستجابة الإنسانية تُنقَّذ من خلال ”منظور الحماية“. يتحمل كل فريق من فرق العمل وقادة المجموعات مسؤولية ضمان ألا تؤدي الأنشطة المنفّذة في إطار مسؤوليتها المنوطة بها إلى التمييز أو الإساءة أو العنف أو الإهمال أو الاستغلال أو إدامتها”.
تُوفّر معايير القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني الأساس القانوني للمشاركة القائمة على المبادئ والحقوق في العمليات الإنسانية. توفر هذه الأطر القانونية الدولية الأساس القانوني لحماية الأفراد أثناء الأزمات، بينما تُتَرجم المبادئ الإنسانية هذه الالتزامات إلى ممارسة عملية من خلال توجيه المساعدات الإنسانية بطريقة محايدة، غير متحيزة وإنسانية. تضمن هذه المجموعة المتجانسة من القواعد والمعايير مجتمعةً أن تلتزم الجهات الفاعلة في المجال الإنساني باحترام الكرامة الإنسانية وتجنب إلحاق الضرر وتقديم المساعدة بطريقة تحترم وتعزز الحقوق والحماية المكفولة بموجب القانون الدولي. كما أن الالتزام بالمعايير المنصوص عليها في هذه الأطر قد يعزز من مصداقية وفعالية المنظمات غير الحكومية الإنسانية.
تُعتبر المبادئ الإنسانية الأسس الأخلاقية والتشغيلية للعمل الإنساني عالمياً. وترد هذه المعايير في العديد من الصكوك مثل قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 46/182، ومدونة السلوك للحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر والمنظمات غير الحكومية الإنسانية، الميثاق الإنساني والمعايير الدنيا للاستجابة الإنسانية (دليل اسفير)، المعيار الإنساني الأساسي للجودة والمساءلة، وميثاق الصفقة الكبرى. تُجسد هذه المبادئ التزاماً بالعمل بأقصى درجات عدم التحيز، استناداً فقط إلى الحاجة الإنسانية، لضمان تقديم المساعدات الإنسانية دون تمييز لجميع المحتاجين، واستيفاء العناصر الأساسية للإغاثة. يتيح الالتزام بهذه المبادئ للمنظمات غير الحكومية الإنسانية الحفاظ على إمكانية الوصول إلى السكان المتضررين، الحد من المخاطر التشغيلية، حماية الكرامة الإنسانية، والتفاعل القائم على المبادئ الأخلاقية مع مختلف أصحاب المصلحة.
رغم أنّ المبادئ الإنسانيّة تظَّل قائمة بذاتها كأُسس مستقلّة للعمل الإنساني، فإنّ الجهات الفاعلة في المجال الإنساني تحمل في الوقت نفسه التزامات قد تتداخل مع أطر القانون الدوليّ لحقوق الإنسان والقانون الدوليّ الإنسانيّ .
هذه المبادئ التأسيسية الأربعة – الإنسانية والحياد والنزاهة والاستقلال – معروفة على نطاق واسع وتحظى بتأييد الجمعية العامة للأمم المتحدة. وهي تُوجّه الوكالات الإنسانية أولئك الأكثر احتياجاً، وتسعى إلى حماية وتحقيق كرامة الإنسان في حالات الضيق والخطر الشديدين وإعمالها:
- الإنسانية: تقديم المساعدة بضحايا الحرب أو الكوارث الطبيعية، حماية الحياة والصحة وضمان احترام الإنسان.
- الحياد: التزام الحياد في النزاعات، والامتناع عن الخوض في الجدل السياسي، العرقي، الديني أو الأيديولوجي.
- عدم التحيّز: تقديم المساعدات فقط على أساس الحاجة دون أي شكل من أشكال التمييز.
- الاستقلالية: الحفاظ على الاستقلال الذاتي بعيداً عن الأهداف السياسية، الاقتصادية، العسكرية أو غيرها من الأهداف غير الإنسانية.
تساعد هذه المبادئ الجهات الفاعلة الإنسانية، من خلال توجيه العمل، على التعامل مع السياقات المعقدة والمتقلبة. وفي حين أنها موجودة بشكل مستقل عن الأطر الأخرى، قد تحتاج الجهات الفاعلة الإنسانية إلى احترام هذه المبادئ والتزاماتها بموجب معايير حقوق الإنسان وأطر القانون الدولي الإنساني في العمل الإنساني في آن واحد.
إطار “عدم الإضرار” #
يُعَد مبدأ “عدم الإضرار” إطاراً أخلاقياً أساسياً في العمل الإنساني، حيث يعترف أنَّ التدخلات الإنسانية قد تتسبب، عن غير قصد، في إلحاق الضرر حتى عندما يكون الهدف هو تقديم المساعدة. يعترف هذا الإطار بأنَّ المساعدات ليست محايدة في سياق النزاع – فهي تصبح جزءاً من السياق ويمكن أن تؤدي إلى تعزيز أو إضعاف الديناميات المحلية.
يتطلب الإطار من الجهات الفاعلة في المجال الإنساني ما يلي:
- إجراء تحليل شامل للسياق قبل التدخلات وأثنائها
- تحديدُ وتحليلُ:
- العوامل التي تقسم المجتمعات أو تخلق التوترات
- العناصر التي تربط المجتمعات وتدعم السلام
- كيف تتفاعل برامج المساعدات مع هذه العوامل
- تقييم آثار البرنامج باستمرار وتعديل التدخلات وفقاً لذلك.
من خلال هذه المقاربة المنهجيّة، يمكن للمنظمات أن تتوقع بشكل أفضل العواقب السلبية المحتملة للمساعدات الإنسانية وتعمل على منعها والتقليل من آثارها السلبية المحتملة مع تعظيم التأثيرات الإيجابية على المجتمعات المتضررة.
إن تطبيق نهج “عدم الإضرار” على العمل في شمال غرب سوريا لا يتماشى فقط مع مسؤولية الجهات الفاعلة في المجال الإنساني في احترام معايير القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني وتنفيذ تعزيز العناية الواجبة بحقوق الإنسان، لكنه أيضاً يُمكِّن المنظمات غير الحكومية الإنسانية من تقديم المساعدات بفعالية مع تجنُّب العواقب الضارة.
المُساءلة أمام السّكان المتضرّرين #
تُشير المساءلة أمام السكان المتضررين – والتي تُعرَّف في السياقات الإنسانية على أنها “التزام نشط من قِبل الجهات الفاعلة في المجال الإنساني باستخدام السلطة بمسؤولية من خلال مراعاة احتياجات الأشخاص الذين يسعون إلى مساعدتهم، ومساءلتهم” – إلى أنَّ التفاوت في السلطة بين الجهات المانحة والمستفيدين من المساعدات الإنسانية يُعد مشكلة يجب معالجتها. يستند هذا المفهوم إلى فكرة أنَّ الأشخاص الذين يتلقون أو يستفيدون من المساعدات الإنسانية يجب أن يضطلعوا بدور فعَّال في الطريقة التي تتم مساعدتهم بها، ضمن الحدود التي تفرضها حالة الطوارئ، كما ينبغي أن يكون لديهم القدرة على الدفاع عن مصالحهم وحقوقهم.
يُعد إطار المساءلة الجمعي أمام السكان المتضررين الذي طورته اللجنة الدائمة المشتركة بين الوكالات (IASC) عنصراً محورياً في لتوجيه الجهات الفاعلة الإنسانية لتنفيذ مبادئ المساءلة أمام السكان المتضررين في جميع مراحل مشاريعها. ينصّ الإطار على أنه ينبغي للجهات الفاعلة في المجال الإنساني “البحث عن أصوات وأولويات المجتمعات المتضررة والاستماع إليها والعمل بناءً عليها”.
تشمل العناصر الرئيسية للمساءلة أمام السكان المتضررين، من بين أمور أخرى:
- تمكين المشاركة الهادفة للمجتمعات المتضررة في عمليات صنع القرار؛
- وتوفير معلومات شفافة وفي الوقت المناسب للمجتمعات؛
- جمع الملاحظات والتغذية الراجعة من خلال آليات يسهل الوصول إليها.
في شمال غرب سوريا، يُعدّ تنفيذ مبادئ المساءلة أمام السكان المتضررين أمراً بالغ الأهمية نظراً للطبيعة المعقدة والممتدة للأزمة. ينبغي أن تسعى المنظمات غير الحكومية الإنسانية إلى دمج المساءلة أمام السكان المتضررين في جميع مراحل مشاريعها، لضمان أن يكون للسكان المتضررين صوت في القرارات التي تؤثر على حياتهم، وأن تُقدَّم المساعدات بطريقة تحترم حقوقهم وكرامتهم.
[230] يعمل نظام تنسيق الشؤون الإنسانية في شمال غرب سوريا من خلال مجموعات متخصصة، تركز كل منها على قطاعات محددة مثل الصحة والأمن الغذائي والحماية والمياه والصرف الصحي والنظافة والتعليم والمأوى. تقود كل مجموعة وكالات الأمم المتحدة المعينة أو المنظمات غير الحكومية الدولية التي تنسق الاستجابة الإنسانية داخل قطاعاتها. على سبيل المثال، تقود منظمة الصحة العالمية عادة مجموعة الصحة، بينما تقود اليونيسف غالباً مجموعات التعليم والمياه والصرف الصحي والنظافة الصحية. وتجتمع هذه المجموعات بانتظام لتنسيق الأنشطة وتبادل المعلومات وضمان تقديم الاستجابة الإنسانية الفعالة.
[231] الفريق العامل التابع للجنة الدائمة المشتركة بين الوكالات، “التقرير المرحلي” (الفريق العامل التابع للجنة الدائمة المشتركة بين الوكالات لعام 2005).
[232] مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 46/182 “تعزيز تنسيق المساعدة الإنسانية التي تقدمها الأمم المتحدة في حالات الطوارئ”، (1991)، متاح على<https://www.unocha.org/sites/unocha/files/dms/Documents/120402_OOM-46182_eng.pdf>
[233] لمزيد من المعلومات: الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، مدونة قواعد السلوك للحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر والمنظمات غير الحكومية في الإغاثة في حالات الكوارث، (1994)، متاح على <https://www.ifrc.org/document/code-conduct-international-red-cross-and-red-crescent-movement-and-ngos-disaster-relief>
[234] لمزيد من المعلومات، انظر الميثاق الإنساني والمعايير الدنيا للاستجابة الإنسانية (دليل اسفير)، (2018)، متاح على <https://spherestandards.org/handbook/>
[235] لمزيد من المعلومات، انظر المعيار الإنساني الأساسي، المعيار الإنساني الأساسي بشأن الجودة والمساءلة، (2024)، متاح على <https://www.corehumanitarianstandard.org/_files/ugd/e57c40_f8ca250a7bd04282b4f2e4e810daf5fc.pd>
[236] لمزيد من المعلومات، انظر الصفقة الكبرى، الصفقة الكبرى (الموقع الرسمي)، متاح على <https://interagencystandingcommittee.org/grand-bargain>
[237] كيت ماكنتوش، “مبادئ العمل الإنساني في القانون الدولي الإنساني”، (2000)، متاح (باللغة الإنكليزية) على <https://www.cmi.no/file/1865-The-Principles-of-Humanitarian-Action-in-International-Humanitarian-Law.pdf>
[238] مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 46/182 “تعزيز تنسيق المساعدة الإنسانية التي تقدمها الأمم المتحدة في حالات الطوارئ” (1991) متاح على <https://www.unocha.org/sites/unocha/files/dms/Documents/120402_OOM-46182_eng.pdf>؛ مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية بشأن الرسالة: المبادئ الإنسانية (2022) متاح على <https://www.unocha.org/publications/report/world/ocha-message-humanitarian-principles-enar>
[239] اللجنة الدولية للصليب الأحمر، “المبادئ الأساسية للحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر”، (2015) متاح على <https://www.icrc.org/sites/default/files/topic/file_plus_list/4046-the_fundamental_principles_of_the_international_red_cross_and_red_crescent_movement.pdf>
[240] انظر، على سبيل المثال، هانز هوغ، “الحياد كمبدأ أساسي للصليب الأحمر” في الإنسانية للجميع: الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر، (معهد هنري دونان/بول هاوبت للنشر، برن/شتوتغارت/فيينا، 1993) ص. 461-464.
[241] الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، “مدونة قواعد السلوك للحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر والمنظمات غير الحكومية في الإغاثة في حالات الكوارث” (1994) متاح على <https://www.ifrc.org/document/code-conduct-international-red-cross-and-red-crescent-movement-and-ngos-disaster-relief>
[242] إد شينكينبرغ، “تحديات المساعدة الإنسانية القائمة على المبادئ” (2016) 97 المراجعة الدولية للصليب الأحمر 295.
[243] الالتزام بالمبادئ الإنسانية، خاصة الحيادية، قد يكون تحديًا في النزاعات حيث يتم تسييس المساعدات الإنسانية واستخدامها كأداة سياسية. للمزيد، انظر: زينب معلين، لين فؤاد، ودستين بارتر، “التنقل بين الحيادية والإغاثة وحقوق الإنسان في إثيوبيا وميانمار وسوريا وغواتيمالا”، (يناير 2025)، متاح على <https://media.odi.org/documents/HPG_report-Trocaire_final_j3iyJap.pdf>
[244] ماري ب. أندرسون، عدم إلحاق الضرر: كيف يمكن للمساعدات أن تدعم السلام أو الحرب (لين رينر للنشر 1999).
[245] مشاريع التعلم التعاوني لمؤسسة تنمية المجتمع، إطار “عدم الإضرار” لتحليل تأثير المساعدة على النزاع: كُتيّب (2004) متاح على <https://www.cdacollaborative.org/wp-content/uploads/2016/01/The-Do-No-Harm-Framework-for-Analyzing-the-Impact-of-Assistance-on-Conflict-A-Handbook.pdf>
[246] ماري ب. أندرسون وبيتر ج. وودرو، النهوض من الرماد: استراتيجيات التنمية في أوقات الكوارث، (لين رينر للنشر 1998).
[247] مارشال والاس، من المبدأ إلى الممارسة: دليل المستخدم لعدم إلحاق الضرر، (2015)، متاح على <https://www.principletopractice.org/wordpress/from-principle-to-practice/>
[248] المنظمة الدولية للهجرة، إطار المساءلة أمام السكان المتضررين، (2019)، متاح على <https://publications.iom.int/books/accountability-affected-populations-framework#:~:text=The%20Accountability%20to%20Affected%20Populations,its%20Migration%20Crisis%20Operational%20Framework>
[249] اللجنة المشتركة بين الوكالات، “اللجنة المشتركة بين الوكالات”، متاح على<https://interagencystandingcommittee.org/the-inter-agency-standing-committee